………… الأدب العربي بعد الحرب العالمية الثانية................
عصفور يحلّق في سماء الوطن ويحوّم فوق رأس كل عربي شامخاَ حاملاً في فمه ثلاثة أعواد هذه الأعواد جعلتهُ يغرد بأجمل الألحان من شدة فرحه بها التقطها ليبني عشاً له يجمع أبناءه به ويحررهم من أي ظلم ويساعدهم في بناء مستقبل مشرق بعيد عن أي مستقبل بعد أن كان مقيداً في قفصه ففي ظلم هذه الصورة سطع ضوء شمس الأدب على الأفق ومنح لكل شعاع أملاً ينير دروب المناضلين أمامهم ومنذ هذه اللحظة أصبح للأدب العربي دوراً كفاحياً هاماً في هذا الواقع الجديد الذي توج بأكاليل النصر والنضال وجُمع هذا الإكليل من نضال الجماهير كل واحدٍ منهم أخذ يرتب أزهاره الواحدة تلو الأخرى حتى أصبح أكليلاً لذلك نجد أن الأديب أثرّ به الموقف وأراد أن يضع وردة على الإكليل للدلالة على كلٍّ منها نجده بوجدانه العميق يؤازرنا لأنه لم يرض أن يكون شجرة بلا ثمر وسماء بلا قمر ووطناً بلا وحدة فنراه يشد على يد الشعب ويناديهم ويؤازرهم بكل عزة وفخار فهدم الأديب حاجز التشتت والحزن ليفر إلى عالم الفرحة والنصر كما فعل الأديب سليما ن العيسى مغنياً:
الأهازيج ترعش الأفق حولي وتصب الحياة في مسمعّيا
هذه الفرحة لم تكن فرحة الشاعر فحسب بل فرحة كل عربي ومناضل فسنبلة القمح في حقل فارغ لا أهمية لها إلاّ إذا اجتمعت معها سنابل قمح لتنتج محصولاً وفيراً له أهمية غير أنها إذا قامت الرياح بمساعدتها على الرقص مع مئاتٍ من السنابل فتمايلت وسُمع صوت تصفيقها مع بعضها يصبح للحياة طعم بعيد عن الظلم والتجزئة منه هنا نرى سليمان العيسى يعبر عن أهمية الوحدة بقوله:
فرحة الشعب شعبنا وهو يطوي ظلمات العصور والذل طيا
نعم إنّ هذه الوحدة هي طريق للتحرر والتخلص من الظلم واستعادة الأرض المغتصبة والوحدة كسفينة إنقاذ بيضاء جاءت لتنقذ الجماهير من قراصنة التجزئة وتقودهم إلى برِّ الحياة الحرة والتحرر فيبدع سليمان العيسى بقصيدته المكتوبة بحروف من نار:
وحدة في السماء والأرض منها لهب يغسلُ الأذى والدّخيلا
وحدة تجمع المشرد بالأهلِ عناقاً بعد الفراق طويلاً
فكما للبحر رائحة السمك والأرض رائحة التراب أيضاً للشعر رائحته الخاصة التي تفوح بعبق النضال والمقاومة وتمر من جانب كل إنسان فتعطر ثيابه وتطهره من رجس المستغل وتحثه على متابعة نضاله هذا الشعر الذي تحول إلى أغنية تحمل بين حروفها موسيقى تصل إلى الأذهان مباشرةً مبشرة بالنصر القادم معلنة التزامها وتكاتفها مع الأبطال كما أعلن محمد مهدي الجوهريٍّ نضاله والتزامه فحوّل شعره لأغنية تغنى بها:
سلامٌ على حاقد ثائر على لا حب من دم سائر
فهذا النضال المتبختر بلباسه الأحمر رسم طريقاً للأجيال القادمة ووضع في هذا الطريق شموعاً لا تنطفئ لكي يضئ للأجيال طريق نضالها التي توصلها إلى النصر لذلك فهؤلاء الأبطال يصنعون من الموت والظلام جسراً للوصول إلى الحياة الكريمة والجواهري يصنع من قلمه ريشة ويجعل من حبره دماء فيقول:
كأن بقايا دم السابقين ماضي يمهد للحاضر
فهؤلاء الشامخون يستحقون كل التغريد والاحترام عكس المتخاذلين الذين لا يستحقون حتى الكتابة عنهم حتى أن أقلام الأدباء تبدأ تتباطأ عندما تكتب كلمة متخاذل لأنهم تعودوا على الذلّ هم أعداء ومستغلو ن يكسرون غصن الورد ويطفئون مصباح نور فبئس عمل هؤلاء المجرمين ولا حبذا ظلمهم لهذا نرى الجواهري بأغنية يهذب وجدانه ويعزف ألحانه ليقرّع بها الجبناء:
وليس على خاشع خانع مقيم على ذله صابر
وليس على غصن ناعم رشيق يميل مع الهاصر
فأي وجع أقوى من وجع الحياة ومع ذلك فإننا سوف نضمده ونتغلب عليه فإننا محكومون بالأمل فالأدباء يعلنون أن ثمة مستقبلاً جميلاً لا يمكن لأحد منعنا من الذهاب إليه أحراراً وكلما عاودت الأوجاع علينا التجأنا إلى صمت وأصداء أغنية الجواهري وهي ترّف كالفراشات فوق قمم الشمس معلنة أننا سنبدأ حياة جديدة:
كأن القيود على معصميه مفاتيح مستقبل زاهر
ومن الطبيعي أن ينبثق الأديب ويكسر كؤوس النبيذ مبعداً سكرة الناس وتحريضهم على متابعة النضال والحث على مواجهة المستغل وتزويدهم بروح النضال لإنعاش أجسادهم ونشر عبق النضال بين صفوف الشعب كي تعبق بثيابهم ونشجعهم على الثورة ضد الظالمين فصوت وصفي القرنفلي يغمر إحساس الجماهير ليلتمسوا درب خلاصهم بقوله:
ثر بجلادك الوغد وهيا بنا نقدُّ الإ سارا
فكل هذه الأعمال التي يقوم بها المستغل تستحق أن نغضب ونثور عليها لأنه سلب أغلى الجواهر لدينا كما أنّ إحساس الشعب بالحرمان والظلم دفعه للثورة عليه فها هو القرنفلي يعبر عن سخطه على المستغل فيقول:
سلبونا رغيفاً فطلبناه فكنا في زعمهم أشراراً
فلا سبيل إلى التخلص من هؤلاء الأشرار إلا بالنضال والمواجهة وسد الأبواب والنوافذ أمام المستغل والأعداء لمنعهم من الدخول لأي جزء أو قطعة من الأرض العربية ويكمن هذا النضال بسواعد المجاهدين فأطل القرنفلي من المنابر ليبين لنا أن التباطؤ والسكوت سيقودنا إلى الهلاك وأن نضالنا ومجاهدتنا طريق الخلاص فيقول:
إيه يا شعب ثر بهم لا تطأطئ بلغ الصبر أفقه واستجارا
وأجمل ما في الوجود البراءة التي ينسج لها الأديب أروع القصائد وأجمل وأعذب ما شدا شادٍ فالبراءة تعكس لنا كيف أن الحياة تبقينا على شط الأمان الذي يعد خلاصاً من الدنس والشرور ودليلا للطهارة والنقاء فإن تأمين حياة سعيدة للأطفال يكمن في تأمين الراحة والطمأنينة لأنه لا يمكن تداس وردة من حديقة الزهور أو تقتل سمكة داخل البحور لذلك ينبثق الغناء من شفتي بدر شاكر السياب وينساب كالماء العذب :
عصافير أم صبية تمرح؟! أم الماء من صخرة ينضح فيخضلُّ عشب وتندى زهور
والآن لنتساءل معاً وفي ظل هذا الواقع كيف ستكون حالة الأطفال الذين أمضوا حياتهم بالعذاب والضياع والتشرد والخوف من سلاح عدو غاشم فكيف لنا أن نتصور موقف ا لعصفور في السماء تنسفه رصاصة الجبناء أوا لعصفور من دون ريش يقيه من الأخطار ومن الذين صوروا حالة الأطفال بدر شاكر السياب الذي يصور لنا هذه الصورة المؤلمة فيقول:
حديد لمن كل هذا الحديد؟! لقيد سيلوى على معصم ونصل على حلمة أو وريد
وقفل على الباب دون العبيد وناعورة لاغتراف الدُّم
من هنا نرى الطفل بصفا ئه ونقا ئه كبياض الثلج على الأرض نفرح ونستريح عند رؤيتها ونطمئن لمستقبل خيّر ومعطاء ويشمل في الملكة قناديل النور ومادام هناك جبل يولد مع إشراقه شمس إذا الحياة ستولد من جديد وتزهو كما بشّرنا السيّاب بقوله:
علينا لها أنها الباقية وأن الدواليب في كل عيد سترقى بها الريح جذلىْ تدور
ونرقى بها من ظلام العصورْ إلى عالم كلُّ ما فيه نورْ
فكما أن السماء تسلمنا مفاتيحها والأرض تسلمنا خيراتها إذا يجب أن نسلمها أرواحنا للدفاع عنها وسيرسم الشعب أمله في خياله حتى يحققه من خلال تجربته وسعيه نحو بناء مجتمع جديد تسوده الحرية والعدالة والمساواة لأنه حان الوقت لأن ينبض إيقاع الحياة في نفوسنا ويقودنا إلى عالم جديد.
تقديم الطالبة: سجا رشيد الصفّ الثالث الثّانوي الفرع الأدبي