وردة ذابلة تفتحت بعد أن سكبت أجفان الصباح فوقها قطرات الندى ،لتجد نفسها محاطة بأشواك لعينة فرضتها عليها ظروف الحياة القاسية التي لا ترحم ، في ظل هذا الواقع المرير تتسلل يد خفية لتنقذ تلك الزهرة البريئة من براثن الأشواك إنها يد الأديب التي شجعت تلك المرآة على العمل خارج منزلها .فأخذ يصف لنا إعجابه بصفاتها المادية التي تعبر عن صفاتها النفسية الدفينة ، إنه الكاتب نجيب محفوظ نرى ريشة قلمه تتسابق وإياه لخط أروع العبر فيصفها قائلا : أرنو إليها وهي سافرة الوجه مرهفة النظرة سريعة الخطو بخلاف النساء والبنات في حارتنا .
ما أعجب ذلك المجتمع المثقل بالقيود ، إنه يسعى أبدا إلى تكبيل أيد المرآة بشتى الأنواع التي تحول دون رقيها وتقدمها وتبقيها في حضيض الجهل والتخلف ، فيعود الكاتب نجيب محفوظ ليندد بموقف ذلك المجتمع البائس المعاش فيعبر في الحديث الذي دار بين النسوة في الحارة قائلا :
أما سمعت بالخبر العجيب ؟
فتسأله عنه باهتمام فتقول :
توحيده بنت أم علي بنت عم رجب؟
مالها كفى الله الشر .
توظفت في الحكومة
توظفت في الحكومة!
إي والله.. موظفة تذهب إلى الوزارة وتجالس الرجال !
بئس تلك العادات والتقاليد البالية التي تعيق عجلة التطور والتقدم نحو الأمام ، تلقن تلك المفاهيم الاجتماعية دون أن نعي خطورتها فهي كالسوس الذي ينخر الخشب . فها هو ذا الكاتب نجيب محفوظ يمتشق قلمه من جديد فيكتب :وأتمتم مرددا كالببغاء يا لخسارة الرجال !
إن العمل خارج المنزل لم يوصلها إلى مبتغاها فقد سلكت طريقاًََ جديدة وهي النضال ضد الصراع العربي الاستعماري فهي متشبثة بأرضها مدافعة عن هويتها وعن شعبها ، على الرغم من تعرضها للسجن المظلم حيث ذاقت فيه مرارة التعذيب في كأس أمر من احتساء العلقم
فيتغنى محمد الفيتو ري بوصف نضالها :
لن تسمع الجدران ياجميلة
فالسجن مثل جبهة السجان
من حجر صخر ومن صوان
وما الذي تصنع راحتان
نحيلتان .. مستطيلتان
لامرأة صغيرة نحيلة؟
ما أروع تلك البطلة المناضلة التي لا تزال صامدة في ذلك السجن الحقير ، فهي كالشجرة الضاربة جذورها في أعماق الأرض يتمنى الشاعر أن يستمد من البطلة روحا نضالية يحرك بها مشاعر الجماهير النائمة، فيعزف الفيتوري على سيمفونيته هذه الأبيات
إذا هبيني ساعة من حياة
حياة روح داخل السجن
حياتك الساعة يا جميلة
في ليل زنزانتك الطويلة
لقد تحول المستحيل إلى حقيقة فعكس بذلك مرآة الواقع ، كيف لا وقد استطاعت تلك المناضلة أن تمتلك قوة خارقة تعادل قوة ألف رجل ثائر بصبرها وتجلدها فيدلو الفيتوري بدلوه من جديد قائلا
إذا هبيني قوة الوجود
قوة! إنسانية البشر
قوة ألف ثائر في القيود
لم تكتف المرآة العربية بالعمل خارج المنزل ومقارعة العدو فحسب، فقد لجأت إلى التعليم لتتفيأ في ظلاله وتشرب من بحره الواسع غير مكترثة لزعم الرجال بأن الكتابة محرمة عليها ويعرضها للموت سما فقد كتبت الشعر ولم تصب بأذى فتقول سعاد صباح منددة بذلك :
يقولون إنّ الكتابة إثم عظيم
فلا تكتبي
وإن الصلاة أمام الحرف حرام
فلا تقربي
وإن مداد القصائد سم
فإياك أن تشربي
وهاأنذا
قد شربت كثيرا
فلم أتسمم بحبر الدواة على مكتبتي
لا حبذا ذلك النوع من الرجال المحبين الكتابة لنفسهم دون غيرهم يصطنعون حواجز وهمية بين الأشياء المترابطة في الطبيعة فهل يمكن للشجر أن ينمو بغير الحقول وهل يمكن للغيث أن يسقط من غير السحاب ثم ليس للأدب جنس واحد من البشر فلنستمع إلى صوت سعاد صباح تقول
وأسال نفسي :
لماذا يقيمون .... هذا الجدار الخرافي
بين الحقول .... وبين الشجر
وبين الغيوم ....وبين المطر
وما بين أنثى الغزال.... وبين الذكر؟
ومن قال للشعر: جنس
وللنثر جنس ؟
وللفكر جنس؟
ومن قال :
إن الطبيعة ترفض صوت الطيور الجميلة؟
على الرغم من معارضيها الكثر وقفت كصخر صامدة في مهب الريح لا تتزحزح من مكانها ، إلى أن استطاعت بعزيمتها القوية و إرادتها الراسخة أن تتغلب على تلك الأشواك التي زرعت في دربها الطويل وتحقق نصرا باهرا فلنفتح حقيبة سعاد صباح :
يقولون إني كسرت رخامة قبري
وهذا صحيح........
وإني ذبحت خفافيش عصري
وهذا صحيح........
وإني اقتلعت جذور النفاق بشعري
وحطمت عصر الصفيح
فإن جرحوني
فأجمل ما في الوجود........غزال جريح.
وهكذا يتضح لنا أن المرآة العربية استطاعت أن تثبت وجودها في مجتمع تحكمه عادات بالية ، وتسوده سيادة النفوس الضعيفة وأن تحقق نجاحاً باهرا وتقف جنبا إلى جنب مع الرجل في جميع ميادين الحياة سواء
أ كان ذلك عملا أم نضالا أم ثقافة.
************************************************************************************************************* تقديم الطالبة : نغم شكيب زيدان
الصف: الثالث الثانوي الأدبي
05:18:م
19/03/2008
*************************************************************************************************************